- ومضى مريد يقول : منذ التقيت بيسار لأول مرة ، وأنا أفكر في الكلمات التي قالها لي .. قال : بل أنت مريد .. المريد هو صاحب الإرادة القوية .. اتق الله واجتنب المعاصي .. وفكرت في نفسي ، وفكرت فيك ، وفكرت في يسار
- سيدتي ماذا ينفعك هذا المدعو حكيم ، إن ألاعيبه ستعود بالشر العظيم .. ولا يغرنك بعض ما ترين من نزول يسار .. فإنه لا ينزل إلا ليعلو ، ولا يدنو إلا ليبتعد ولا يهبط إلا ليحلِّق .. إنه رجل يحاسب نفسه بعد كل هفوة يرتكبها .. ولا يزال بها حتى يقيمها على الجادة البيضاء . وسكت مريد ، وكان يبدو كالبركان الذي ضاق بالنار المتأججة في صدره فأراد أن يقذفها ..
قالت حسناء : هل تستطيع أن تنتظر.. فلعلي أجيء معك . فهزَّ رأسه بالموافقة
تفكرت حسناء في مصيرها .. ويسار .. لا .. إنه لن يتزوجها .. إن فورة حبه ستنطفئ إنه كما قال مريد .. سوف يحاسب نفسه حتى يقيمها على الجادة .. وخيِّل إليها كأنها تسمع صوت حبيب بن مسعود وهو يقول : إن دون الوصول إلى يسار سبعة أبواب ، عليها سبعة أقفال من حديد لماذا تركض وراء السراب ؟ سوف تبتعد عن طريقه .. قالت بإصرار : أنا أيضًا سأتوب . وسألته قائلة : متى تريد أن نذهب ؟
فأجاب : غدًا صباحًا .. إن شاء الله .
ثم ودَّعها وهو يقول : أرجو أن تكوني على استعداد .. غدًا صباحًا .
فلوَّحت بيدها وهي تقول : سأكون في انتظارك .
أما حكيم فقد أقنع يسار بالحضور إلى مكان لهوهم في دار حكيم بعد العشاء فهناك سيتمكنن من رؤية حسناء هكذا قال حكيم
وبعد العشاء نظر حكيم إلى حبيب ، وأدنى رأسه وقال بصوت خفيض وكأنه يريد أن يبوح بسر خطير : لقد وقع صاحبك يا حبيب ؟ وقال وهو ينقر على المائدة بشكلٍ رتيب : إنه سيأتي إلينا هذه الليلة , ونظر حكيم في وجه حبيب وهو يقول : مستحيل .
وقبل أن ينتهي حبيب من كلمته ، طُرق الباب طرقًا خفيفًا فانبسطت أسارير حكيم ، ونهض مزهوًا وهو يشير إلى حبيب ويقول : هذا هو صاحبك قد حضر ولم يصدق حبيب ، وبقي معلقًا نظره بالباب ، وانفرج فم سعيد بن منصور ، وتعلقت العيون بالباب تنظر من القادم .. وهتف حكيم بسرور : مرحبا بيسار . وشهق حبيب بن مسعود ، ولم يصدق عينه ما ترى ، ونهض سعيد وقد مد يده مرحبًا .. أما حسَّان بن معيقيب ، فقد بقي في مكانه مندهشا . ودخل يسار مطرقًا خجلاً ، ولم يرفع نظره إلى أحد من الحاضرين .. وجلس دون أن يتحرك ..
ومضى حكيم يدير الحديث وانحنى على يسار يسأله عن حاله ..
فأجاب يسار بهمس : إنني في أسوأ حال .. وضحك حكيم وهو يقول : إنه الحب يا أخي ..
وأطرق يسار ، وقد التهب وجهه بحمرة الخجل .. ثم همس في أذن حكيم : إنني لم أرها منذ مدة ..
فنهض حكيم وقد استخفَّه الطرب وقال : ستراها اليوم .. إنها ستأتي كالعادة في مثل هذا اليوم .
وهنا رفع حكيم كأسًا ، قدَّمه إلى يسار وهو يقول :
- خذ .. اشرب .. فالتفت يسار وهو يقول : أنا لا أشرب الخمر ..
وضحك حكيم وهو يمد يده بالكأس ويقول : اشرب .. اشرب يا يسار .. إنها تزيل عنك الخجل ، وتذهب الهم ، وتنسيك الدنيا .
خيل إلى يسار في تلك الساعة ، أن الدنيا تدور به. والتفت يسار ينظر إلى هذا الواقف الذي يحمل كأس الخمر بيده ، ويحثه على الشرب .. اشرب .. اشرب .. خذه يا يسار . ، وتذكر في تلك اللحظة .. كان أبو أنس قد التقى به عصر هذا اليوم في السوق الكبير ، وسلَّمه رقعة مطوية قال إن الشيخ قد بعثها له , مدَّ يده يتحسس الرقعة في جيبه ، فأخرجها ، وفضَّها ، فقرأ فيها : (( إني أذكِّرك .. إن الشيطان سوف يدخل عليك من أبواب شتى ، وعلى رأسها المرأة .. فاعتصم منه بذكر الله الدائم ، وبغض نظرك ، وتلاوة القرآن . وذكر نفسك ، أن وجه المرأة الجميل هذا ، صائر إلى جيفة قذرة يقتتل عليها الدود ، وأن في الجنة من الحور العين ما تستحي منهن الشمس الطالعة )) . وللحديث بقية